كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتميم: بضم التاء والميم جميعًا، وواحدتها على لغتهم مُثْلَة بضم الميم وجزم الثاء مثل عُرُفة وعُرْفات والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب}.
أحمد بن منبه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ولما نزلت هذه الآية: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد». {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ} يعني على محمد صلى الله عليه وسلم: {آيَةٌ} علامة وحجة على نبوته، قال الله: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} مخوف: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} داع يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ إمام يأتمون به.
وقال الكلبي: داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق.
أبو العالية: قائد، أبو صالح قتادة مجاهد: نبي يدعوهم إلى الله.
سعيد بن جبير: يعني بالهادي الله عزّ وجلّ.
وهي رواية العوفي، عن ابن عباس قال: المنذر محمد، والهادي الله.
عكرمة وأبو الضحى: الهادي محمد-صلى الله عليه وسلم-.
وروى السدي عن عبدالله بن علي قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المنذر أنا، الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه». وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلى منكب علي-رضي الله عنه- فقال: «فأنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي».
ودليل هذا التأويل: ما روي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد عن ربيع عن حذيفة: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن وليتموها عليًا فهاد مهدي يقيلمكم على طريق مستقيم».
ردًا على منكري البعث القائلين أءذا كنا ترابًا أءنا لفي خلق جديد فقال سبحانه: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام} يعني تنقص.
قال المفسرون: غيض الأرحام الحيض على الحمل، فإذا حاضت الحامل كان نقصانًا في غذاء الولد وزيادة في مدة الحمل، فإنها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداد في طهرها حتى يستكمل ستة أشهر ظاهرًا. فإن رأت الدم خمسة أيام ومضت التسعة أشهر وخمسة أيام، وهو قوله: {وَمَا تَزْدَادُ}.
روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما تغيض الأرحام خروج الدم حتى تَحِضْ، يعني حين المولد، وما تزداد استمساك الدم إذا لم تهرق المرأة تم الولد وعظم، وفي هذه الآية دليل على أنّ الحامل تحيض وإليه ذهب الشافعي.
وقال الحسن: غيضها ما تنقص من التسعة الأشهر وزيادتها ما تزداد على التسعة الأشهر.
الربيع بن أنس: ما يغيض الأرحام يعني السقط وما تزداد يعني توءمين إلى أربعة.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: ما تغيض الأرحام يعني به السقط.
وروى عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أنّ النساء لا يلدْنَ لعدّة واحدة ولا لأجل معلوم وقَدْ يُولد الولد لستة أشهر فيعيش ويولد لسنتين ويعيش.
قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين قد نبتت ثناياي، وروى هيثم عن حصين قال: مكث الضحاك في بطن أُمه سنتين.
وروى ابن جريح عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحو ظل المغزل، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة من الفقهاء.
وقال الشافعي وجماعة من الفقهاء: أكثر الحمل أربع سنين، يدل عليه ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الفرج الأحمري سمعت عباس بن نصر البغدادي سمعت صفوان ابن عيسى يقول: مكث محمد بن عجلان في بطن أُمه ثلاث سنين فشق بطن أُمه وأُخرج وقد نبتت أسنانه.
وروى ابن عائشة عن حماد بن سلمة قال: إنما سمي هرم بن حيان هرمًا؛ لأنه بقي في بطن أُمه أربع سنين.
{وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والمقدار مفعال من القدر: {عَالِمُ الغيب والشهادة الكبير} الذي كل شيء دونه: {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته: {سَوَاءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باليل} في ظلمته: {وَسَارِبٌ} ظاهر: {بالنهار} ضوءه لا يخفى عليه من ذلك.
وقال أبو عبيدة: سارب بالنهار أي سالك في سربه أي مذهب ووجهة، يقال: سارب سَربه بفتح السين أي طريقه.
قال قيس بن الحطيم:
إني سربتُ وكنتُ غيرَ سروبِ ** وتقربُ الأحلامِ غيرُ قريبِ

الشعبي: سارب بالنهار منصرف في حوائجه يقال: سرب يسرب. قال الشاعر:
أرى كلَّ قوم قاربوا قيدَ فحلهم ** ونحن خلعنا قيدَهُ فهو ساربُ

أي ذاهب.
قال ابن عباس: في هذه الآية هو صاحب ريبة مستخف بالليل، فإذا خرج بالنهار رأى الناس أنه بريء من الإثم.
وقال بعضهم: مستخف بالليل أي ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء إذا أظهرته، وسارب بالنهار أي متوار داخل في سرب.
{لَهُ} أي لله تعالى: {مُعَقِّبَاتٌ} ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بعد المبدأ، قال الله ولم يعقب وإنما ذكرها هنا بلفظ جمع التأنيث؛ لأنّ واحدهما معقب وجمعه عقبة، ثم جمع المعقبة معقبات فهي جمع الجمع. كما قيل أما قال قد حالات بكم وقوله: {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ومن خلفه من وراء ظهره.
قال ابن عباس: ملائكة يحفظونه من أمر الله من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء القدر خلوا عنه.
حماد بن سلمة عن عبدالله بن جعفر عن كنانه العمري قالوا: «دخل عثمان بن عفان-رضي الله عنه- على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسألك عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك يكتب حسناتك، وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرًا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أأكتب؟ قال: لا، لعله يستغفر الله أو يتوب فإذا قال ثلاثًا قال: نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين هو ما أقل مراقبته لله عزّ وجلّ وأقل استحياء منا يقول الله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلاّ الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحيّة في فيك، وملكان على عينيك هؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل أي ليسوا من ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكًا على كل آدمي وإبليس مع بني آدم بالنهار وولده بالليل».
قتادة وابن جريح: هذه ملائكة الله عزّ وجلّ يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح.
همام بن منبه عن أبي هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون».
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: ذكر أنّ ملكًا من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئًا.
عكرمة: هؤلاء ملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم لحفظهم.
شعبة عن شرفي عن عكرمة قال: الجلاوزة.
الضحاك: هو السلطان المحترس من الله وهم أهل الشرك، وقوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} اختلفوا فيه فقال قوم: يعني: بأمر الله، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وهذا قول مجاهد وقتادة ورواية الوالبي عن ابن عباس، وقال الآخرون: يحفظونه من أمر الله ما لم يجئ القدر.
لبيد عن مجاهد: ما من عبد إلاّ به ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس الهوام فما منهم شيء بأمره يريده إلاّ قال فذاك لا يأتي بإذن الله عزّ وجلّ فيه فيصيبه.
وقال كعب الأحبار: لولا وكل الله بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا يحيطكم الجن.
وروى عمار بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مراد إلى علي-رضي الله عنه- وهو يصلي، فقال: احترس فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك. فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإنّ الأجل جنة حصينة، وقال أهل المعاني: إنّ أوامر الله عزّ وجلّ على وجهين أحدهما قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك ما لا يدفعه أحد ولا يغيره بشر ولا حتى الجن ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظة كقصة يونس-عليه السلام-، وقال ابن جريج: معناه كنصون من الله أمر الله يعني يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وقال بعض المفسرين أن هذه الآية أنّ الهاء في قوله: {لَهُ} راجعة إلى رسول الله-عليه السلام-.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني محمد-عليه السلام- من الرحمن حراس من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، يعني من شر الجن والإنس ومن شر طارق الليل والنهار، وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وزيد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «أقبل علينا زيد بن ربيعة هو وعامر بن الطفيل يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس.
وقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك. فقال: دعه فإن يرد الله به خيرًا بهذه، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال: تجعل لي الأمر بعدك. قال: ليس ذلك إليَّ إنما ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء.
قال: فاجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل: فماذا يجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال: أوليس ذلك لي اليوم؟ قال: لا. قال: قم معي أُكلمك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من ورائهِ بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدار أربد بن ربيعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبرًا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على قتله وعامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما منع بسيفه. فقال: اللهم أكفنيهمابما شئت. فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف وولى عامر هاربًا. وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردًا وفتيانًا مردًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يمنعك} الله من ذلك وأبناء قيلة»
.
يعني الأوس والخزرج، فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فأنشأ يقول:
بخير أبيت اللعن إن شئت ودّنا ** فإن شئت حربًا بأس ومصدق

وإن شئت فنسيا ما يكفي أمرهم ** يكبون كبش العارفين متألق

فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول: واللات لئن أصحر محمد إلى وصاحبه عني ملك الموت لأُنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكًا فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في السلولية ثم مات على ظهر فرسه.
لعمري وما عمري علي بهين ** لقد شان حمر الوجه طعنة مسهر

قد علم المزنوق أني أكرّ ** على جمعهم كرّ المنيح المشهر

وأزود من وقع السنان زجرته ** وأخبرته أني امرؤ غير مقصر

وأخبرته أن الفرار خزاية ** على المرء ما لم يبل عذرًا فيعذر

لقد علمت عليا هوازن أنني ** أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر

فجعل يركض في الصحراء ويقول: أبرز يا ملك الموت، ثم أنشأ يقول:
لاقرب المزنوق ولتجد ما أرى لنفر ** من يوم شره غير حامد

إلا قرباه إن غاية حرمناه إذا ** قرب المزنوق بين الصفايد

هو من عامر قدن.
إذا ما دعوتهم أجابوا ** ولبى منهم كل ماجد